الحكام العرب أعوان الشيطان الأكبر
ذكرنا فى الرسائل السابقة أن الحياة الدنيا قائمة على صراع بين قطبين الإيمان والكفر, وهذا هو موضوع القرآن الكريم، وأن واجب العلماء والفقهاء فى كل عصر أن ينزلوا هذه الآيات على الواقع، وأن يحددوا للمؤمنين عدوهم حتى لا يحاربوا طواحين الهواء, وحتى لا ينشغلوا بسفاسف الأمور: هل دم البعوضة ينقض الوضوء؟ وهل البصقة تفطر فى رمضان؟! بينما القدس محتلة والمسجد الأقصى مهدد بالهدم، والفلسطينيون والعراقيون والأفغان والصوماليون والباكستان يُقتَّلون كل يوم، وجيوش الغزاة جاثمة على معظم أراضى العرب، وأموال المسلمين مُستولى عليها وموضوعة فى بنوك الأعداء، الذين يسميهم حكامنا أصدقاء، وقرارنا السياسى والاقتصادى فى أيديهم، وشرائعهم أصبحت هى شرائعنا من دون شريعة الإسلام. فإذا كانت أمريكا لم ترتدع بعد، رغم كل ما أحاق بها من هزائم هى وحليفتها الصغرى إسرائيل ولا يزال الحلف الصهيونى - الأمريكى هو الذى يتصدى لصحوة الإسلام والمسلمين، ويمارس دور الشيطان الأكبر، إذا كان هذا هو المحور أو القطب العالمى للكفر، فإن الصحوة الإسلامية المجاهدة هى القطب العالمى للإيمان، وحول كل محور (أو قطب) تقوم تحالفات إقليمية ودولية بدوافع مختلفة. ومعظم حكام العرب والمسلمين يتراصون مع الحلف الصهيونى - الأمريكى, بل إن معظم قوة هذا الحلف فى منطقتنا ترجع إلى تواطؤ وتحالف هؤلاء الحكام معه.
وبالتالى فإن الشيطان الأكبر له شياطين صغيرة عديدة، والمنافقون أشد خطرا من الكافرين الصرحاء، لأنهم يزعمون أنهم منا وما هم منا! فيخلخلون الصف، ويدخلون الأعداء إلى وسط حصوننا بدون عناء. والأمر الملفت للانتباه أن القرآن الكريم لم يذكر الدرك الأسفل من النار إلا مرة واحدة وأنه للمنافقين: (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِى الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا) (النساء: 145). وتعريف المنافق وفقا للمصطلح الإسلامى أنه الذى يبطن الكفر ويظهر الإيمان.
وبالتالى فإن معظم حكام العرب والمسلمين والمتعاونين بشكل وثيق مع أمريكا وإسرائيل أحدهما أو كلاهما لا يخرجون عن أحد الاحتمالات:
(1) الردة والكفر الصريح: استنادا إلى الآيات المتكررة فى سورة المائدة:
- (وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ {44})
- (وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ {45})
- (وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ {47})
وهذه الآيات تشمل ما هو أبعد من مجرد موالاة الأعداء، وتشير إلى التخلى عن المرجعية الإسلامية العامة للمجتمع فى مختلف شئونه ومجالاته، وهذا هو الواقع فى معظم بلاد العرب والمسلمين.
(2) موالاة أعداء الله, وهى جريمة اعتبرها القرآن من أكبر الكبائر، بل اعتبرها من نواقض العقيدة: (وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ) (المائدة: 51), (وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (الممتحنة: 9), (تَرَى كَثِيرًا مِّنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَن سَخِطَ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَفِى الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ) (المائدة: 80), (وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللّهِ فِى شَيْءٍ) (آل عمران: 28), (وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيلِ) (الممتحنة: 1).
(3) النفاق: وقد حددنا حكمه فى القرآن, والآية الخاصة بالدرك الأسفل من النار مرتبطة بموالاة الكفار.
(4) الجهل بالإسلام وأحكامه، أو الخوف من تطبيق الشريعة الإسلامية لعدم استفزاز الأعداء (كما سحب السادات تقنين الشريعة من مجلس الشعب وأطاح بصوفى أبو طالب رئيس المجلس بسبب الضغوط الأمريكية).
(5) القول بأن حكام العرب والمسلمين ليسوا من الكفار، ولكنهم فاسدون ومستبدون وظالمون وفاسقون فحسب!!
ولأننا نسعى لتوحيد التيارات الإسلامية، ولا نريد إلا الإصلاح ومصلحة الأمة، ولا نريد تفرق الجماعات حول اجتهادات متباينة لا تؤدى إلى نتائج عملية مختلفة فى نهاية المطاف، فإننا نرى أن إجماع (أو شبه إجماع) التيارات الإسلامية المخلصة حول التفسير الخامس. ونرى أن حيثيات هذا التفسير كافية للمطالبة بعزلهم, والسعى لذلك بكافة الوسائل السلمية والجماهيرية. فليس صحيحا أن الكفر هو السبب الوحيد للمطالبة بعزلهم. لأن الظلم والفساد والفسق أسباب كافية شرعا لذلك، وفقا لمعايير الحكم فى الإسلام.
وقد انشغلت الجماعات من قبل بتكفير الحاكم, وكأن ذلك هو السبب الوحيد لعزله, ثم ربطوا ذلك بالخروج المسلح, وهذا خطأ فقهى آخر. ثم ربطوا ذلك بمجرد اغتيال الحاكم, وهذا خطأ فقهى ثالث (ولعل اغتيال السادات يكون فيه عظات كافية على فشل هذا الأسلوب).
باختصار فإن أصحاب التفسيرات الخمسة السابقة، يمكن أن يتعاونوا معا من أجل التغيير السلمى والشعبى. فتكفير الحاكم ليس ضروريا للإطاحة به، كما أن تكفير الحاكم لا يعنى بالضرورة أن ذلك شرطا للخروج المسلح. فيمكن للخروج المسلح أن يتم ضد حاكم غير كافر، إذا توفرت شروط الخروج المسلح. ويمكن إسقاط الحكم الكافر بوسائل مدنية عند توفر شروط الخروج المدنى. ونحن نميل إلى الخيار الشعبى المدنى وفقا لظروف أغلب البلاد العربية، وإن كان كل بلد أدرى بظروفه، وحق الاجتهاد مكفول ومفتوح.
الأمر المؤكد والذى لا خلاف عليه إن حكام اليوم هم العقبة الأساسية أمام استقلال الأمة وعودتها إلى مرجعيتها الإيمانية، وأنهم يفتنون الناس فى دينهم بالفسق والفساد الإعلامى والفنى، وبإشاعة الفقر والتمييز الطبقى، وبممارسة القهر عند الخلاف فى الرأى، وبإشاعة روح الهزيمة والانهيار النفسى أمام الأعداء. وأنهم يرفضون المرجعية الإسلامية تحت أى دعوى من الدعاوى. والحال أنه لا يمكن مواجهة الشيطان الأكبر (أمريكا) بدون مواجهة هؤلاء الحكام، فقد وضعوا أنفسهم معه فى خندق واحد.
مجدى أحمد حسين
*****
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق